المقومات الجغرافية،والعرقية، والفكرية
من وجهة النظر العرقية، فقد كانت بلاد مابين النهرين تتالف من عناصر غريبة في نهاية الالف الثالث كما لم تكن من قبل. العنصر الاكدي كان السائد، وان نسبة الناطقين بالاكدية استمرت بالزيادة نسبة الى الناطقين بالسومرية. اما المجموعة الثالثة، والذين ورد ذكرهم لاول مرة تحت حكم شاركالي شاري في مملكة اكد هم العموريون. وجد بعض من هذه المجموعة خلال سلالة اور الثالثة في الطبقات العليا من الادارات، ولكن معظمهم كانوا منتظمين بقبائل، كانوا لا يزالون يعيشون حياة البداوة. وقد كانت افضل ايامهم خلال فترة مملكة بابل القديمة. في الوقت الذي تتميزلغتهم بوضوح عن الاكدين، فان لغة العموريين، والتي تتالف من اكثر من الف اسم صحيح، هي اكثر صلة بما يسمى الفرع الكنعاني من اللغات السامية، والتي من المحتمل انها تمثل الشكل القديم. اما حقيقة ان الملك شو- سن كان قد بنى جدارا حول الارض، الجدار الذي ابعد التدنوم (اسم لقبيلة) يبين كم كان قويا ضغط البدو خلال القرن الواحد والعشرين وكم من الجهود بذلت لتحديد تاثيرهم. اما المجموعة العرقية الرابعة الرئيسة فهم الحورانيون، والذين كانوا مهمين في شمال بلاد مابين النهرين وفي اطراف مدينة كركوك الحالية.
من المحتمل ان الافق الجغرافي لامبراطورية اور الثالثة لم يتعد حدود الامبراطورية الاكدية. لم يعثر على اسماء ضمن بلاد الاناضول، ولكن كان هناك الكثير من المراسلين الذين كانوا يتنقلون بين بلاد مابين النهربن وايران بعيدا عن عيلام. وورد مرة ذكر غوبلا (بيبلوس) على ساحل المتوسط. ومن الغريب ان ليس هناك اية علاقة مع مصر، في اور الثالثة او فترة بابل القديمة. من الغريب ان لا توجد اتصالات في نهاية الالف الثالث بين هاتين الحضارتين العظيمتين القديمتين في الشرق الاوسط.
لابد وان تكون الحياة الفكرية في عهد اور الثالثة نشطة جدا في جني ونشر الادب القديم اضافة الى الخلق الجديد. بالرغم من ان اهمية اللغة السومرية كلغة منطوقة قد تلاشت تدريجيا، الا انها استمرت بالازدهار كلغة مكتوبة، حالة استمرت الى عهد مملكة بابل القديمة. وكما ترينا تراتيل الملك المؤله فقد ظهرت ادبيات في اور الثالثة. ان كان لنسخ بابل القديمة اية مدلولات فان مراسلات الملك مع الموظفين الكبار كانت باعلى المستويات الادبية.
وبنظرة بعيدة، فان سلالة اور الثالثة لم تعش في ذاكرة التاريخ كما عاشت بشراسة مملكة اكد. للتاكد فان المؤرخين يتحدثون عن اور الثالثة ك بالا سولكي دورة " الحكم" لشولكي؛ على اية حال فليس هناك مايشير الى الشعر الاسطوري عن سرجون و نارام سن. وليس هناك سبب واضح ، ولكن يمكن تخيل الاخير فقد شعر الشعب الاكدي بهويته في اكد اكثر من الدولة التي كانت تستخدم اللغة السومرية.
الادارة
كان اعلى موظف درجة في الدولة هو سوكال- ماح، ويعني حرفيا "الحامل الاعظم"، والذي يمكن وصف منصبه ب "مستشار الدولة". كانت الامبراطورية مقسمة الى 40 مقاطعة تحكم من قبل الإنسي ، والذين بالرغم من سلطاتهم الواسعة، فان ( الادارة المدنية و الساطة القضائية)، لم تكن مما يشمله الحكم الذاتي، حتى وان بصورة غير مباشرة، بالرغم من ان السلطة كانت تورث من الاب الى الابن. لم يكن يحق للمقاطعات الدخول بتحالفات او شن الحروب منفردة. كان الانسي يعين من قبل الملك ومن المحتمل نقله الى مقاطعة اخرى من قبله. كانت كل مقاطعة من تلك المقاطعات ملزمة بدفع مساهمة سنوية، والتي كانت اقيامها تناقش من قبل مبعوثين. ان ما كان ذا اهمية خاصة هو ماكان يدعى ب "بالا" ، وهي دورة كان انسيو المقاطعات الجنوبية يساهمون بها ضمن امور اخرى، كان عليهم ادامة ساحة خزين الدولة من القرابين. على الرغم من ان المقاطعة كانت هي دولة المدينة السابقة، الا ان العديد منها كانت حديثة التشكيل. ان مايدعى بنص تسجيل الاراضي لاور نمو يصف اربعا من هذه المقاطعات شمال نيبور، مشيرا الى الحدود بدقة وينتهي بتعبير " لقد أقر الملك اورنمو حدود الاله ( xx ) الى الاله ( xx ). وفي بعض المدن وخاصة في اوروك، وماري او دير ( قرب بدرة)، كانت الادارة بيد ساكانا ، وهو رجل تعني وظيفته جزئيا حاكم وجزئيا جنرال.
ان مامتوفر من تاريخ متفق عليه عمليا وخاصة في اور الثالثة دولة مركزية قوية بكون الملك الحاكم المطلق. على الرغم من وجود بعض الشكوك. فلابد من التعامل بحذر وعدم التقليل من شان الانسي.
ويبرز سؤال آخر من الحدود بين وامتداده الى القطاعين العام والخاص، حيث ان الاخير لم يعط الاهمية المطلوبة. وما يقصد بالقطاع الخاص هو مجموعة من السكان لها ارض تخصها وان دخلها لا يسيطر عليه المعبد او القصر، مثل حرس الانسي او الحرس الملكي. ان الصورة التقليدية قد اخذت من مصادر ارشيف الدولة لبوزرش – داغان، وهي ارض واسعة للخزين تقع خارج بوابة نيبور، والتي كانت تجهز معابد المدينة بحيوانات القرابين وحتما كانت تشمل على معامل الصوف والجلود الرئيسة، ومن الاراشيف الاخرى تلك التي تعود الى امة، وجيرسو ونيبور واور. كانت كل تلك الفعاليات تراقب من قبل نظام بيروقراطي مشذب ركز على على استخدام المراجع الحكومية، والادارة الكفوءة والحسابات الدقيقة. ان اعضاء الجهاز الاداري كانت تتواصل فيما بينها بواسطة شبكة مراسلين تعمل بسلاسة ودقة. وبالرغم من ان حوالي 24000 وثيقة تشير الى اقتصاد اور الثالثة كانت قد نشرت لحد الان، فالكثير منها لاتزال تنتظر دورها في التقييم الصحيح. وحيث لا تتوفر تقنيات خدميةلتلك الوثائق، فانه حتى يمكن تصنيفها نستطيع ان نكتب كتابا عن "النظام الاقتصادي في اور الثالثة". وحسب العقود ( القروض، وبيع الاراضي العائدة للمعبد، وبيع العبيد، وماشابه) فان القطاع الخاص يساهم بجزء يسير من كمية الوثائق الكبيرة. ولا يمكن للمواقع التي تمت فيها الاكتشافات ان تعطي صورة حقيقية لواقع هذه الوثائق. وفي شمالي بابل مثلا لم يعثر لحد الان على اية وثيقة معاصرة مكتوبة.
نهاية اور الثالثة
ان سقوط اور الثالثة هو حدث في تاريخ بلاد مابين النهرين يمكن ان يتابع بتفصيل اكبر من بقية المراحل من ذلك التاريخ، والفضل للمصادر مثل المراسلات الملكية، فالمرثيتان عن دمار اور وسومر، والارشيفمن اسين الذي يصور كيف ان إشبي-ايرا، كمغتصب وكملك اسين، قضى على مليكه في اور. ان ابي-سن كان قد شن حريا على عيلام حين تقدم المنافس الطوح بشخص اشبي-ايرا من دولة ماري، من المحتمل كان جنرالا او موظفا كبيرا. من خلال التركيز على الخطر العضيم الآتي من العموريين، عمل اشبي-ايرا على اجبار الملك على ان يعهد له بحماية المدن المجاورة لإسن ونيبور. وقد جاء طلب اشبي – ايرا أقرب ما يكون الى الابتزاز، وبينت مراسلاته مهارته في التعامل مع العموريين ومع الافراد من الانسي، حتى ان بعضهم التحق به وصار الى جانبه. واستغل اشبي – ايرا ايضا الاكتئاب الذي كان يعاني منه الملك بسبب ان الاله انليل " كرهه"، تعبير قد يراد به الفال السئ نتيجة الاختبار من القرابين ، والتي استند اليها الكثير من الحكام في القيام باعمالهم( او تجنب اقيام بتلك الاعمال حسب الحالة). قام اشبي – ايرا بتحصين إسين و في السنة العاشرة من حكم إبي – سن، بدا باستخدام معادلته الخاصة بالتقويم في المعاملات، وتصرف بشكل يماثل التخلي عن الإخلاص. وظن اشبي – ايرا بانه الشخص المفضل لدى الاله انليل، وزاد هذا الاعتقاد من خلال حكمه لنيبور، حيث معبد الاله. واخيرا اعلن نفسه السيد المطلق على كل جنوب بلاد مابين النهرين، وبضمنها اور.
وحيث قوى اشبي – ايرا عن قصد ممتلكاته ، استمر ابي – سن بالحكم على ارض استمرت تتقلص لاربعة عشر عاما اخرى. ولقد جاءت نهاية اور نتيجة سلسلة من المحن: تفشي المجاعة، وان اور حوصرت واحتلت ودمرت من قبل العيلاميين الغزاة وحلفائهم من القبائل الايرانية. ولقد اقتيد ابي – سن اسيرا ولم يسمع عنه بعد ذلك. وتسجل المراثي باسلوب حزين النهاية الحزينة لاور، والكارثة التي حلت بسبب حنق وغضب الاله انليل.